مالطا… محطة في مسيرة حشد الدعم الدولي لجهود صناعة سلام محلي بأيادي الليبيين

مالطا… محطة في مسيرة حشد الدعم الدولي لجهود صناعة سلام محلي بأيادي الليبيين

لما يزيد عن سنة، قدت رفقة زملائي الشباب مشروعاً طموحاً يهدف لصياغة سلام محلي في ليبيا، عبر مشروع سياسي يكون غير مستوردٍ، يبنيهِ الليبيون أنفسهم، يبدأ من الناس في القاعدة؛ أولئك الذين لم يلتفت لهم أحد طيلة العقد الماضي؛ ولم تستمع لهم تلك النخبة التي تصدرت المشهد، كما لم نر لهم أي اهتمام حقيقي من قبل المتدخلين الأجانب، رغم كل ما خلصت له تجارب عمليات بناء السلام الدولية، وهو أن أي عملية من هذا النوع، لن تنجح إلا إذا كانت ملكيتها محليّة، ومن القاعدة إلى الهرم.

انطلقنا في صياغة هذا المشروع الوطني، عبر الاستماع أولاً لأصوات الشباب والليبيين عامة في قراهم وواحاتهم ومدنهم، انطلقنا من غريان، إلى كاباو ثم جادو، وغدامس، وغات وسبها والقطرون والكفرة والجغبوب وطبرق ، وصولاً إلى اجدابيا وسرت وتاورغاء وبني وليد ومصراتة وزليتن والخمس وغيرها من المدن والقرى، حتى انتهينا بطرابلس، حيث أقمنا مؤتمرنا الوطني في نوفمبر 2021، والذي عرضنا فيه خلاصة جلسات الحوار التي أقمناها، وأرجعنا من خلاله الشرعية لليبيين العاديين في القاعدة، أصحاب الأرض والقرار، عندما صوت فيه أكثر من 2500 شاب على اتخاذ قرارات لتبني هذا المشروع الوطني، أمام أنظار الرئيس المنفي، وبعثة الأمم المتحدة، ورؤساء عدد من البعثات الأجنبية العاملة في ليبيا.

قمنا خلال أشهر بتسويق الحلول التي أنتجها هذا المشروع، والذي لا يزال يوماً بعد يوم ينضج أكثر فأكثر، ويثبت علائقيته، وذلك عبر حملة علاقات عامة محلية، التقينا فيها مع مختلف الشخصيات والقوى السياسية الموجودة على الساحة اليوم. قررنا الآن بأن الأوان قد حان للانطلاق في حملة علاقات عامة دولية نجلب من خلالها الدعم لإنتاج حل محلي يقوده الليبيون الموجودون في الشارع، المتضرر الأول والأخير من كل العبث السياسي الذي عانينا منه طيلة السنوات الماضية.

انطلقنا من مالطا، هذه الدولة الجارة والصديقة، عضو الاتحاد الأوروبي، والمرشحة لأن تكون السنة القادمة عضواً في مجلس الأمن بالأمم المتحدة. كانت زيارة قصيرة ولكن مهمة لمالطا، بِوَفْدٍ تَشَرَّفَتْ بِتَرَؤُّسِهِ رُفقَةَ 14 شَخْصًا آخرين ممثلين عن منسقي ومنتسبي منتدى حوار الشباب.

تشرفنا خلال الزيارة بالاجتماع مع فخامة الرئيس المالطي د. جورج فيلا، الذي استقبلنا بحفاوة في قصره الرئاسي، حيث استعرضنا عمل المنتدى والمشروع السياسي الذي حمله لنا زملائي الشباب والليبيون الذين استمع لهم المنتدى في مدتهم وقراهم. سعدنا بالاستماع للرئيس خلال هذا اللقاء، وتأكيده على العلاقة الوطيدة التي تجمع البلدين والشعبين الصديقين، والمصالح المشتركة التي تربط دولة ليبيا بجمهورية مالطا. كما أن ثناءه أيضاً على الوحدة التي يظهرها المنتدى من خلال تنوع تركيبته وانتشاره في مختلف المناطق الليبية، والنضج السياسي الذي يحمله مشروع المنتدى حملنا مسؤولية أكبر للاستمرار.

تناولنا خلال هذا اللقاء جملة من القضايا المهمة ورؤية منتدى حوار الشباب لحل الأزمة في ليبيا، كما استعرضنا تصوراتنا للدور الذي ينتظره شباب ليبيا من الدول الصديقة وخاصة جمهورية مالطا التي يحسب لها حفاظها على علاقات طيبة مع مختلف الفرقاء الليبيين وعدم التدخل السلبي في الصراع الدامي، والذي دون شك، ساهم بعض المتدخلين الأجانب في إشعاله بشكل جلي. كما دعونا فخامته للمشاركة في “منتدى أصدقاء ليبيا” الذي ينظمه المنتدى خلال منتصف سنة 2023.

خلال هذه الزيارة، تشرفنا أيضاً بزيارة مجلس النواب المالطي في فاليتا، والاجتماع مع معالي رئيس مجلس النواب السيد أنجيلو فاروجا ، والذي عبر لنا عن الصداقة الحقيقية والصادقة التي يكنها الشعب المالطي لليبيين، وشدد لنا على أهمية الدور الذي نلعبه، وعلى المسؤولية هي مسؤولية الليبيين أولاً، ومسؤولة النخبة السياسية التي يجب أن تتغلب على الصعوبات من أجل خلق حياة سياسية قائمة على الاحترام والحوار في ظل اقتناع حقيقي بمبادئ الديمقراطية البرلمانية. حملتنا أيضا كلمات رئيس مجلس النواب مسؤولية أكبر، عندما أشاد بما يقوم به منتدى حوار الشباب الليبي من عمل، متمنياً أن تكون هذه الأعمال مصدر إلهام للشعب الليبي لصالح المبادئ الديمقراطية والإنسانية.

خلال هذا اللقاء، اجتماعنا أيضا مع عدد من المؤسسات الحكومية الأخرى، كوزارة الخارجية المالطية. ولكن لم تقتصر لقاءاتنا على الجانب الحكومي فقط، فقط سررنا بالاجتماع والتشبيك مع الأحزاب السياسية الكبرى في مالطا، كحزب العمال المالطي الحاكم، والذي سررت بأن أرى قيادة شابة لهذا الحزب العريق في مالطا، والذي فاز في آخر ثلاث دورات انتخابية. نتطلع لأن نتبادل مع حزب العمال، وغيره من الأحزاب في المنطقة التجارب السياسية، وأن نبني معاً علاقة تبنى على الاحترام المتبادل وأن نعمل بتشبيك أكبر مستقبلاً لصالح شعبينا.

التقينا أيضا خلال هذه الزيارة مع عدد من المنظمات والهيئات غير الحكومية غير السياسية، مثل الاتحاد العام المالطي للشغل، والوكالة الوطنية للشباب، حيث إننا ومن خلال إيماننا بالدور الذي يمكن أن يلعبه المسار غير الرسمي، نتطلع لنسج علاقات متينة مع المجتمع المدني لضمان انفتاح الشباب الليبي على محيطه المتوسطي والاستفادة من تجارب شعوب المنطقة.

تميزت مختلف اللقاءات بالإيجابية والانفتاح، حيث عرضنا رؤية المنتدى لحل الأزمة الليبية والدور الهام الذي يقوم به في إرساء مسار المصالحة وإرساء تجربة ديمقراطية حقيقية يكون للشباب والمرأة وكافة مكونات المجتمع الليبي مكانة مهمة تؤهلهم لصنع القرار وبناء مستقبل ليبيا، هذا إضافة إلى التعاون المشترك الذي نتطلع له مع هذه المؤسسات.

لقد سعدنا بإنهاء هذه الزيارة المهمة في مسيرتنا، والتي نعتبر بأنها حققت الأهداف التي رسمناها لها، بداية بتدعيم روابط العلاقات مع جمهورية مالطا، ودعوتها للعب دور إيجابي أكبر مع الليبيين ودور الجوار الصديقة في منطقة المتوسط. لقد كانت دعوة فخامة الرئيس محمد المنفي للسفير المالطي في طرابلس بعد أيام من الزيارة، وعودة الرحلات المباشرة بين البلدين والتي من المخطط أن تكون في شهر سبتمبر القادم مؤشراً على هذا النجاح. ننتظر أيضا من هذه الزيارة أن تفتح الباب أمام تعاون أكبر بين منتدى حوار الشباب، وعدد من المؤسسات الليبية غير الحكومية من جهة، والمؤسسات المالطية المختلفة من جهة أخرى، ليعكس هذا التعاون التقارب التاريخي الذي شهد عليه الشعبان خلال العقود والقرون الماضية.

إن هذه الزيارة ما هي إِلَّا محطة أولى لتعاون دولي أكبر، وخطوة في مشوار زيارات أخرى دولية نخطط في منتدى حوار الشباب للقيام بها، حيث نؤمن بأن هذه الزيارات من شأنها أن يكون لها دور هام في حشد الزخم الدولي، ودعم مسار السلام في ليبيا وإرساء نظام ديمقراطي يحفظ وحدة ليبيا واستقلالها ويدعم آمال الليبيين في إنهاء كل مظاهر الصراع المسلح، وبناء دولة العدالة والحقوق والحريات التي نتطلع لها.

في الختام، أود أن أؤكد على أننا سنعمل بكل ما لدينا من جهد وإمكانات للتواصل مع دول العالم، وشبابه من أصحاب التجارب الملهمة، لكي ننقل لهم أصوات الليبيين، ولنرسم صورة جديدة مشرقة على ليبيا، ولكي نرسل رسالة لكل الليبيين وللعالم أجمع بأن ليبيا ستكون بخير. نهدف لتعزيز العلاقات مع هذه الدول، والوصول المباشر للفاعلين الشباب، من أجل غد سياسي مشترك قوي، ولكي نتبادل الثقافات ونستفيد من تجارب دول العلم، وبناء علاقات متينة لصالح بلدنا والعالم.

أتطلع رفقة زملائي الشباب في ليبيا بأن نرى من جمهورية مالطا ومن الدول الصديقة في المنطقة مساهمة أكبر في دعم جهود الشعب الليبي في هذا الوقت الصعب، وبناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل وعلى خدمة المصالح المشتركة لدولنا.

أخر المنشورات
اترك تعليقاً

Your email address will not be published.Required fields are marked *